الجمعة, 11-أكتوبر-2024

كاتب عراقي عن ذكرياته مع سفارة اليابان وزوجة السفير روسيا والبالة بصنعاء

كتب الكتاب والمؤرخ الألماني العراقي زيد خلدون جميل عن بعض ذكرياته في صنعاء يعيد موقع أوراق برس برس نشكرها:-

اتصلت في أحد أيام السنة الأولى من هذا القرن بالسفارة اليابانية في العاصمة اليمنية صنعاء للاستفسار عن شركة يابانية، فلم تكن لخدمة الانترنت قد دخلت اليمن بعد. واعلم، فالحصول على أي معلومة عن شركة أجنبية كان يعني الاتصال بسفارة الدولة تلك الشركة. وتمتاز جميع السفارات في صنعاء الباقين باستلام الاتصال في حالة الاتصال بشخص آخر، وبالتالي جرا: حتى يصل المتصل إلى الشخص المناسب في السفارة.

واشترك في ذلك الدبلوماسيين في صنعاء بالإجابة الواضحة على مضض، أنت المتصل قد يمنعهم أثناء قيامهم بعملهم ويعتمد مصير العالم عليه. وفي نهاية الأمر أجابني الشخص المناسب في السفارة وإعطاءاني جواب سؤالي، وكان الكلام بالطبع باللغة وبالنعم، ولكن الأمر لم ينته هنا حيث سألني ذلك الدبلوماسي

سؤال من فضلك. ما هي جنسيتك؟

وجدت سؤاله في غير محله، ولكنني أريد أن أكون وديا ودقيقا، حيث لم يسألني من أي بلد أنا، بل الجنسية، فأعجبته:

ـ جنسيتي الألمانية.

ـ ألمانية؟ عظيم جدا.

ـ ما هو العظيم بالجنسية الألمانية؟

ـ إنك ستحل مشكلتي.

ـ أي مشكلة؟

ـ لديّ جهاز ضخم «راديوكاسيت» من أصول ألمانية سابقة. ولكن ليس باطلة.

ـ حسنا!

ـ أرجو أن تقوم بإصلاحه.

ـ وأمر بذلك؟

ـ الجهاز من قبل ألمان. وأنت الألمانية. ستقوي اصلاحه

ـ للأسف الشديد إن هذا الألماني لا يستطيع إصلاح جهازك.

ـآ. أنت الألمانية، فمن الواضح أنك قادر على ذلك.

ـ عزيزي لا تفضل.

ـ سأتصل بالسفارة الألمانية.

ـ لا تقلق أن هناك الألمانية من يستطيع إصلاح إجازتك.

ـ ولكن هناك ألمان كثيرون فيها.

وجدت نفسي في حلقة مفرغة ونقاش عقيم، فشكرته على رده إخفاءيت المجهول. ولم أعلم إن كان بإمكانه الاتصال بالسفارة الألمانية، وما كان جوابهم في حالة اتصاله.

مطار صنعاء


كان مطار صنعاء بسيطا للغاية، فبعد أن يسلم المسافر حقائبه يدخل مباشرة صالة المسافرين المجاورة عن طريق باب يحرسه شرطي يمني بسيط. وكل ما يقوم به هذا الشرطي التأكد من حمل من يدخل هذه الصالة تذكرة سفر دون التأكد، ما إذا كانت التذكرة قديمة أو نافذة المفعول. وكنت في المطار في وقت متأخر لتوديع أحد الأصدقاء في نهاية التسعينيات، أو أوائل سنوات العقد التالي. ورافقت الصديق حتى ذلك الشرطي وراقبته يدخل صالة المسافرين وسرحت في أفكاري وخططي حول ما عليّ القيام به في اليوم التالي. وإذا بضجة توقظني من أحلام اليقظة، واستدرت نحو مصدرها حيث اكتشفت أن ثلاثة شباب أوروبيين في نقاش حاد مع ذلك الشرطي المسكين. ووقفت خلفهم امرأة أوروبية في أواسط الأربعينيات من عمرها تراقب ما يحدث. ولأن الشباب تكلموا اللغة الإنكليزية مع الشرطي فهمت أنهم من السفارة الروسية وأن المرأة زوجة السفير الروسي، حيث دخل ابنها لتوه صالة المسافرين وأرادت أن تتبعه للبقاء معه حتى صعوده الى الطائرة. ولكن الشرطي اليمني رفض ذلك، لأن الأوامر تنص على منع أي شخص غير مسافر من الدخول إلى الصالة. وفي الحقيقة أن الشرطي لم يفهم كلمة واحدة من الإنكليزية، أو أي لغة أجنبية، ولعله لم يفهم حتى اللغة العربية الفصحى، فكل ما يعرفه أن المرأة والشباب الذين كانوا معها لم يحملوا تذاكر سفر. ولذلك، فمهما كان سبب رغبتهم بالدخول لم يكن ذا أهمية بالنسبة له، وبالتالي منعهم من الدخول.

وفي الوقت نفسه، أثار الموقف استغرابي حيث كان كبار الدبلوماسيين يستعملون صالة الأشخاص المهمين VIP في المطار ولذلك كانوا لا يختلطون ببقية المسافرين. وأثار استغرابي كذلك عدم وجود من يجيد العربية مع الروس.

راقبت هذا الموقف ووجدته مضحكا، فالشباب الثلاثة استمروا في الترديد أنهم من السفارة الروسية ما يسمح لهم، حسب ظنهم، بدخول الصالة، وإذا أصر الشرطي على موقفه، فإن السفارة الروسية ستقدم شكوى شديدة اللهجة للحكومة اليمنية، مما سيسيء إلى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وكأن الشرطي مهتم بكل هذا، إذ لم يفهم كلمة واحدة مما قالوه، وحتى إذا فهم فلم يكن ذلك شأنه، إذ أن كل ما يهمه، هو الأمر الذي استلمه من رئيسه المباشر. وفي الحقيقة لا أستطيع أن أتخيل أن سفارة من الممكن أن تحتج لدى الحكومة اليمنية لسبب من هذا النوع، أو أن الحكومة اليمنية ستهتم بأحتجاج من هذا النوع. وفي هذه الأثناء كانت زوجة السفير الروسي تنتظر نتيجة هذه المواجهة العقيمة.

شعرت بالعطف على الشرطي، لاسيما أن القانون يدعم موقفه واحترمته لبقائه في بالغ الأدب والهدوء مع الروس وتنفيذ الأوامر بدقة، مهما كان الضغط عليه من قبل مجموعة من الأجانب الذين كانوا يتكلمون لغة أجنبية، قد تكون من المريخ بالنسبة له. ولذلك قررت في تلك اللحظة التدخل، ولكن انفعال شباب السفارة الثلاثة وغضبهم جعلاني اتخلى عن فكرة التكلم معهم، فقررت أن أتكلم مع زوجة السفير، فقد كانت بمثابة رئيستهم، كما بدت متحضرة وطيبة. ولحسن الحظ كانت تتكلم الإنكليزية، فتكلمت معها شارحا موقف الشرطي وأن قانونا مماثلا على الأغلب موجود في مطارات روسيا أيضا. ولذلك، فإن تحقيق رغبتهم كان مستحيلا، لاسيما أن الأمر لا يستحق كل ذلك العناء. ولكنها شكت لي أنها أرادت البقاء مع ابنها لأطول فترة ممكنة، وأخذت تبكي مما فاجأني. ووجدت نفسي في موقف لم يسبق أن دخلت فيه، فصمت حتى هدأت كي لا أزيد من فداحة هذا الموقف، الذي كان من الممكن تجنبه منذ البداية. وعندما هدأت المرأة واستجمعت أفكارها طلبت من مرافقيها التوقف وشكرتني ثم سألتني من أي بلد أنا، فابلغتها أنني من العراق ما أثار دهشتها وأخذت تسألني عن عراقيين تعرفهم وكيف تزوج فلان من فلانة لأنها غير جميلة بينما هو وسيم، ولكنني لم أجبها، حيث وجدت الموضوع لا يستحق الاهتمام.

ولكن من الواضح أنها هدأت حتى إنها أخذت تضحك وسط انبهار موظفي السفارة الروسية الذين كانوا يراقبوننا. وتكلمت زوجة السفير معهم ضاحكة باللغة الروسية، ما خفف من احتداد الأمر. وقمت بإبلاغ الشرطي أن كل شيء على ما يرام وهنأته على كفاءته في اتباع الأوامر وكانت سعادته واضحة لانتهاء تلك المشكلة. والتفتُّ نحو الروس ووجدت أن طريقة حديثهم مع بعضهم بعضا كانت هادئة، فودعت زوجة السفير بلطافة وعدت أدراجي. وكانت تلك المرة الأولى التي التقيت فيها، ولكنها لن تكون الأخيرة.

باليه في صنعاء


بعد حادثة المطار بفترة تنشر وسائل الإعلام في اليمن عن سيقدمه أربعة عازفين من إحدى الفرق السيمفونية الألمانية المعروفة في قاعة صنعاء. وأظن أنها كانت فعالة تقوم بها الحكومة الألمانية للدعاية لألمانيا وتقوي العلاقات بين ألمانيا واليمن، ولهذا السببني من هواة الموسيقى الكلاسيكية حرصت ألا تفوتني فرصة حضور العرض.

حان يوم العرض وبدأت في الحصول على بعض الأشياء للحصول على مقعد مناسب، ولكن لحسن الحظ كان من الممكن مواكبة التقدمين بشكل مبكر. ولاحظت نحو الصفوف ولاحظت وجود بعض الأوروبيين هناك. ولكني وجدت ألما، إنه زوجة السفير الروسي التي تسكن بها في المطار. وألقيت التحية وردت ردا لطيفا جدا، فجلست بجانبها بما لدينا من الاجتماعية الحديثة، فقد كانت اجتماعية على عكس لذلك الدبلوماسيين في صنعاء الذين تميزوا بثقل الدم. ولاحظت أن القاعة بدأت تتغذى بالحضور الضخم حتى امتلأت باليمنيين وبعض العرب غير اليمنيين والأجانب. بدأ الإبداع وكان جميلا، قصير ولكنا بعض الأشياء، وكوّن مقطوعات سيمفونية من تأليف تأليف الآلمان والنمساويين. وبعد العرض أبدت زوجة السفير الروسي إعجابها بالعزف إذنين والآمان، ولكنني اختار في تلك اللحظة أن أمزح معنا، فقلت:

ـ سيدتي، لقد كانت ألمانيا سباقة في هذه المبادرة التطوعية ولكن.

أجابت:

ـ المانيا الشهيرة بالموسيقى الكلاسيكية وكذلك.

ـ حسنا، على روسيا أن تستطيع أكثر من ذلك.

ـ اعتبر إليّ باستغراب غراب:

ـ كيف ذلك؟

ـعليكم بفرقة الاوبشوي تقدم عروض في صنعاء.

ـ هل تمزح؟

ـ هل عبدو أمزح؟

ـ إنها فرقة أوديشوي. إنها أعظم فرقة باليه في العالم.

ـ ولهذا السبب عليكم جلبها إلى صنعاء لتقوية العلاقات الروسية اليمنية وتطلع الجمهور العربي بشكل عام واليمني بشكل خاص على الثقافة الروسية.

ـ دعك من كل هذا. لن تجلب الابشوي. إنها فرقة الأعظم في فن الباليه.

تظاهرت بالبلادة وأصررت على موقفي وكررت أن يبلشوي ستعزز مكانة برازيلية في اليمن. ولم تكن المرأة إني كنت أمزح معها الوقت، حيث أنها غرقت في انفعالاتها وشعرت وأصبحت تكاد أن تغضب، ولكن ذلك مؤكد لم يكن هدفي حيث كنت أود اختلاق موضوع نجده، نحن الاثنين ـ مضحكا. ويجب، هدأت من روعها وطلبت منها نسيان الأمر، إلا أنها لا تحتمل أنها ستنساه. ولما علم أن الدبلوماسيين لا يفهمون النكتة.

زيد خلدون

مؤرخ وباحث جميل من العراق

 

تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 18-أكتوبر-2024 الساعة: 11:35 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.awraqpress.net/portal/news-26289.htm